الكفاح المقدّس وإعلان الحرب

لا بدّ لنا من الإشارة في بداية المقال إلى أنّ لبنان، لؤلؤة الشرق والعالم، قد تخطّى دَينه العام على مدى العقود الأخيرة المئة مليار دولار، وانخفض مؤخّراً نموّه الإقتصاديّ السنويّ إلى ما دون النّصف بالمئة، مع عجز فاضح في ميزانه التجاريّ، وعبء دوليّ وأمميّ مُنزل نتيجة التناطح العسكريّ والمناكفات السياسيّة والصراعات الإقتصاديّة المتمحورة في إقليمه ومحيطه وأرضه. الأمر الذي أدّى إلى رزوخ شعبه في ضيقة إقتصاديّة فجّة وأزمات سياسيّة متتاليّة، أرخت بظلالها السلبيّ على وضعه الإجتماعيّ بشكل عام.
من هنا، بات من الواجب لهذا الشعب الإستيقاظ من نومه السريريّ وإعلان الحرب على هذا الواقع المفروض، والبدء بعمليّة الإستنهاض الإصلاحيّة، ومعالجة أوضاعه المزرية والملحّة من خلال نقد ذاتيّ وغربلة داخليّة وتنقية مؤسّساتيّة، عنوانها محاربة الفساد، رايتها العدل، وهالتها شعب عانى رواسب خلافات الآخرين، آملاً بأن يؤدّي كفاحه داخل بيته إلى تمتينه وحمايته من مخاطر الخارج وإلى انطلاقة منعشة، تدريجيّة وتمهيديّة، هدفها الإطاحة بجرثومة الفساد المستشري وتحسين أوضاع البلاد والعباد.
هذه الإندفاعة لا تتمّ إلّا من خلال بعض الوسائل العمليّة، أبرزها تحصين القضاء وتدعيمه بوجه التسيّيس والضغوط على أنواعها. كذلك تشريع قوانين إلغاء السريّة المصرفيّة والكشف على حسابات وأموال المتّهمين المنقولة وغير المنقولة بعد استصدار قرار من القاضي المختّص من شأنه المساهمة في تبيان الحقائق. يلي هذه الخطوة إعتماد مبدأ استعادة الأموال العامّة المبدّدة أو المنهوبة في حال ثبوت الفعل الجرميّ بحقّ الموظّف العام، بغض النظر عن مركزه أو نفوذه. من هنا السّعي إلى إلغاء الحصانات أمام القضاء على أن تطال الجميع، من أعلى الهرم حتّى أسفله، فلا يعود لأيّ وزير أو نائب أو مدير أو موظّف عام أو ضابط أو نقابيّ [...] إمكانيّة التذرّع بحصانة ما من أجل عدم المثول والتغيّب عن جلسة قضائيّة غايتها استجوابه أو الإستماع لشهادته .
وتجدر الإشارة إلى أهميّة عدم تدوير الزّوايا، بل تكريس الشفافيّة من جهة والحزم في محاربة الفساد من جهة أخرى، واستكمالها بتشريعات حيويّة شاملة وأنظمة تطبيقيّة متلائمة سريعة التنفيذ، كما وتفعيل الأجهزة الرقابيّة واحتضانها وتحصينها، وإعطاء الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة صلاحيّات واسعة في ملاحقة المتّهمين مهما علا شأنهم.
ويبقى الأهمّ الأهمّ أن نشير إلى أنّ تقييم الإصلاح ونجاحه لا يمكن تحقيقه من دون دعم أساسيّ جوهريّ، ألا وهو مؤازرة وتأييد الشعب المتواصلان عبر إعلامه بكلّ التطوّرات لحظة بلحظة، وإبراز النتائج الإيجابيّة المتأتّية منها وآثارها وانعكاسها عليه. فضلاً عن السلطة الرابعة، عامّة وخاصّة، التي تعتمد الدقّة والنزاهة في نقلها للمعلومات والتقارير بمعزل عن المهادنة أو التعتيم أو الخضوع لأيّ جهة كانت، باستثناء الرأي العام المكوَّن من السواد الأعظم للشعب اللّبناني، الأصل والفصل، مصدر جميع السلطات ...
إذاً، تحجيم الفساد ينطلق أوّلا من إعلان العداء المطلق والكفاح الشامل والمشرَّع بوجهه، في ظلّ إرادة واضحة مسيّرة وميسّرة كوهج نجم أزليّ ثابت مخمّس الأطراف : شعب مؤيّد، موظّفون مسؤولون، سلطة داعمة، قضاء فعّال، إعلام ناشط. تسعى جميعها وتجهد بشكل متكامل ومترابط ومتناسق، حتّى إذا ما تخاذلت إحداها تعرقلت عمليّة المكافحة والمعالجة ...

المديريّة العامّة لأمن الدّولة
باتريك إيليّا أبي خليل
 
شاركونا أي معلومات تعتقدون أنها تصب في مصلحة حماية الوطن والمواطن، وذلك من خلال التواصل معنا عبر خانة (اتصل بنا) مع حفظ حقكم بالتكتم عن أسمائكم، وحتى لو افصحتم عنها، فسوف تبقى سرّية. لا تترددوا بإبلاغنا عن أي معلومة مهما كانت هامشية او غير مهمة في نظركم، فكل معلومة يمكن ان تفيد.
 

822610 1 (961)+

info@state-security.gov.lb