الوقت ثمار وشوك

لطالما سمعنا أنّ الوقت من ذهب، وذلك لأهميّته في تنظيم حياة البشر والمجتمعات والدّول. لكن، إذا ما تعمّقنا في مفهومه لرأينا أنّ الوقت أثمن من كلّ كنوز الكون حيث لا يمكن تعويضه أو استرجاع ما مضى منه. وهو، إن لم نستثمره خيراً أتلف حياتنا وأغرقنا في دوّامة الجمود الفتّاك. من هنا اليقين على أنّ كافة الأمور مرهونة بأوقاتها التي يعود للإنسان تقريرها وصرفها بما يتلاءم وحاجته.
كلّ ثانيّة لها من القيمة ما قد يغيّر مجرى الأمور، فهي كافية للحبّ من النظرة الأولى، لأوّل كلمة ينطق بها الطفل، للترحيب بعابر، لكبسة زر، للفوز بمباراة أو بطولة، وغيرها ممّا لا يحتاج لأكثر من ثانية ...
من المعلوم لنا أهميّة الوقت ومساهمته في تحديد مستقبل الدّول، منها الشابّة التي استثمرته لصالحها فأثمرت وأزهرت اقتصاداً وجيشاً ومجتمعاً سالماً متماسكاً، وأخرى منهكة عانت من تباطؤ استغلاله ممّا انعكس سلباً بشكل مباشر على أوضاعها.
أمّا في لبنان، فتتلخّص معظم مآسيه في إهماله وإضاعته والإستهتار به، فعلى سبيل المثال لا الحصر- لانعدام القدرة على الحصر أصلاً لكثرة الوقائع - بلغ التأخير في انتخاب رئيس جمهوريّة البلاد حوالي السّنتين ونصف السّنة مع أنّه مطروح ومعترف بشعبيّته وحظوظه من الدقيقة الأولى. أمّا عند تشكيل الحكومات، في ظلّ أوضاع طارئة ومستعجلة، فيترنّح التأخير عادة ما بين الثلاثة والأحد عشر شهراً. في ما خصّ الأشغال والمنشآت حدّث ولا حرج، إذ لم تفلح الدّولة يوماً في تحقيق ما أقرّته ضمن المهلة المحدّدة لا بل وتتخطّاها دوماً بأضعاف وأضعاف المقرّر، عدا عن عشرات مشاريع القوانين التي تراخت لسنوات قبل سلوكها المسار التشريعيّ وما زالت مراسيمها التطبيقيّة مؤجّلة وغير منجزة لحينه لأسباب مختلفة، نذكر منها التقارير القديمة منذ ما قبل التسعينات حول وجود موارد نفطيّة هائلة وكامنة في شواطئ لبنان، والتي أُقرّت مؤخّراً مراسيمها التنظيميّة عام 2017 بعد جهود جبّارة ومضنية، وما زالت محاولات استخراجها واستثمارها تعاني من الأخذ والرّد من دون أن تأخذ بعد مسارها الطبيعيّ نحو التنفيذ ...
إهمالنا لقيمة الوقت الخاص بتسيير بلدنا وإنعاشه ليس أكثر ما يضحكنا ويبكينا، إنّما ارتهاننا لتوقيت الآخرين حيث يتهاوى على مسامعنا إعلان البعض عن تسجيل مواقف ونقاط على حساب العجلة والضرورة في لبنان، مرتكزين على توقيت انتصار إقليميّ أو دولّي، أو مؤخِّرين لاستحقاق داخليّ على أمل تبدّل خارجيّ يصبّ في مصلحتهم.
وخلال كلّ هذا التمادي وخسارة الوقت الثمين تتراصف الفصول وتتكرّر، تولد أجيال وتفنى أخرى، تنطلق أحداث وتقضي،  كلّ ذلك على يد سيادة الوقت ومرأى الإنسان الذي ما استطاع ولن يستطيع تغيير واقعيّة استقرار واتّزان الزمان.
في الخلاصة، جلّ ما يمكن استنتاجه يتمحور حول إدراك أهميّة الوقت ودقّته وشموليّته في حياة الإنسان، لاسيّما في لبنان حيث يشكلّ إغفاله لقيمة الوقت الشوك في خاصرته ومشكلته الأساسيّة في خطواته الثقيلة نحو المستقبل المجهول ...

موظّف في المديريّة العامّة لأمن الدّولة
باتريك إيليّا أبي خليل
 
Share with us any information that proves to be useful for the protection of the country and citizens by clicking on Contact us. We preserve your right to keep your name anonymous, and even if you disclose it, it will remain confidential.
Please do not hesitate to report any information, howsoever minor or insignificant to you, because any piece of information might be of use.

+(961) 1 822610

info@state-security.gov.lb